کد مطلب:309788 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:291

القسمت 25


عاد رسول اللَّه إلی المدینة، والفرحة تملأ صدره بفتح اللَّه، فقد أمن جانب قریش و آن للدین الجدید أن یعبر شبه الجزیرة إلی العالم كله.

توجه النبی كعادته إلی المسجد فصلّی ركعتین، غسلت عنه عناء السفر وهموم الحیاة، و نهض النبیّ لزیارة ابنته.. ذكراه من خدیجة وكوثره الذی وهبه اللَّه...

قرع الباب فهبت فاطمة للقاء النبی، كانت تحاول إخفاء ما تعانیه من إعیاء و تعب.

فتحت الباب و البسمة تشرق فی وجهها، تأمّل النبی وجه ابنته الوجه المشرق تشوبه صفرة فبدا كقمر انهكه السهر فی لیلة شتائیة طویلة.

قال الأب بحزن:


- یا بنیة ما هذا الصفار فی وجهك و تغیر حدقتیك؟

أجابت فاطمة بصوت واهن:

- یا أبه ان لنا ثلاثاً ما طعمنا طعاماً... وقد بكی الحسنان من شدة الجوع حتی غلبهما النوم..

أیقظ النبی ریحانتیه.. وضعهما فی حجرة وقد نسیا ألم الجوع كعصفورین فرحین بدف ء العش.

كان علی یبحث عمن یقرضه دریهمات یسدُّ بها رمق اسرته، و كانت الشمس ترسل أشعتها ملتهبة. لم تمض مدّة حتی وجد من یقرضه دیناراً فانطلق یشتری به شیئاً.

المدینة تبدو مهجورة و قد فرّ أهلها من الرمضاء و الحر.

من بعید لاح له رجل یمشی علی غیر هدی.. دقّق النظر فیه و لما اقترب منه بادره علیّ:

- ما الذی أخرجك یا مقداد فی هذه الساعة؟

- الجوع یا أباالحسن.. عضنی وأهلی الجوع.. وأبحث عمّن یقرضنی درهماً أو دیناراً.

ان للجوع فعله العجیب فی النفوس.. تارة یهذبها فتسمو إلی السماء و تارة ینحطّ بها إلی أسفل السافلین. الجوع یصنع ملائكة و شیاطین.. وكلا الخیارین یتوقّفان علی إرادة الإنسان أو علی غریزة


ذلك الحیوان القابع فی الأعماق المظلمة ولیس فی حیاة علی من وقت لكی تنشب معركة بین الذات و الایثار لأنّه لایوجد فی أعماقه المضیئة من یعترض علی إرادته التی صقلتها النبوّات..

وهكذا قدم علی كل ما یملكه إلی أخیه وعاد إلی البیت خالی الیدین.

كان المنزل هادئاً تغمرة رحمة من السماء و وجد فی الحجرة رسول اللَّه.. و كان الحسنان فی حجرة و فاطمة تصلّی فی المحراب وقد ملأت فضاء الحجرة رائحة طیبة لطعام طیب ولما جلس علی قبالة رجل ربّاه فی حجرة تمتم النبی و هو یرمق السماء بخشوع:

- اللهم هؤلاء أهل بیتی فأذهب عنهم الرجس و طهرهم تطهیرا.

فرغت فاطمة من تبتلها و مدت یدها إلی جفنة مغطاة.. و كان فی الجفنة خبز و لحم.

قال علی متعجباً:

- یا فاطمة أنّی لك هذا؟

أجابت فاطمة بنت رسول السماء:

- هو من عند اللَّه.. ان اللَّه یرزق من یشاء بغیر حساب.

قال النبی مبتسماً:

- إن مثلكما كمثل زكریا إذ دخل علی مریم فوجد عندها رزقاً


قال: یا مریم أنی لك هذا قالت هو من عند اللَّه ان اللَّه یرزق من یشاء بغیر حساب.

لو اُزیحت الحجب عن العیون لرأی سكّان المدینة منزلاً إلی جوار المسجد.. ولو دققوا النظر لرأوا أثر جبریل فی حجراته. یلج المرء فیجد نفسه فی بقعة لا تنتمی إلی طین الأرض... إلی عالم من تراب... بقعة اختارتها الملائكة یوم هبطت علی الأرض.. یوم اتصل النور بالطین لیولد الإنسان السماوی الذی انطوت فی أعماقه أسرار الوجود.

كانوا خمسة: محمد.. علی.. فاطمة.. حسن و حسین... اسماء ولدت یوم عطس آدم... واستنشق نسمة الحیاة، و یوم قال اللَّه لنوح: ان اصنع الفلك بوحینا.. و یوم فار التنوّر كان نوح یتأمّل السماء و هی تنهمر مطراً كأفواه القرب وجبال من الغیوم تتراكم بعضها فوق بعض.. ولتتحول تلك الأرض الجرداء إلی بحر متلاطم الأمواج و سارت السفینة باسم اللَّه تشقّ طریقها فی موج كالجبال.. ومقدمة السفینة تعلو و تهبط مالها من قرار. أصوات الحیوانات وهدیر الموج و تمتمات دعاء المؤمنین تمتزج تطهر القلب فیتألق الأمل.. الأمل بمستقبل طاهر للأرض. السفینة تجری لمسستقر لها.. وقد اجتمع المؤمنون أمام خشبة صغیرة مستطیلة الشكل فیها اسماء أثارت دهشتهم و حركت


كوامن الأسئلة فی أعماقهم.. كلمات صغیرة واضحة مكتوبة بلغة شعب عاش قبل الطوفان؛ كلمات تحمل لهم الأمل بالخلاص بغصن زیتون أخضر... كلمات تتألّق بألوان قزح.. كلمات حفرها نوح تعویذة أمل فی الحیاة:

- یا إلهی.. و یا معینی.

برحمتك و كرمك ساعدنی.

ولأجل هذه النفوس المقدّسة.

محمد.

ایلیا.

شبر.

شبیر.

فاطمة.

الذین هم جمیعهم عظماء و مكرمون.

العالم قائم لأجلهم.

ساعدنی لأجل أسمائهم.

أنت فقط تستطبع أن توجهنی نحو الطریق المستقیم.

و تمخر السفینة عباب المیاه حتی استوت علی الجودی و قیل یا أرض ابلعی ماءك و یا سماء اقلعی... و عادت حمامة بیضاء تحمل


غصن الزیتون.. و قد تألقت فی السماء ألوان الأمل و الربیع.

و همس النبی فی اُذن التاریخ و هو یضم ریحانتیه:

- مَثَلُ أهل بیتی مثل سفینة نوح من ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق.